فصل: التفسير المأُثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

سورة الفيل:
{وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)}
اختلف في معنى السجيل هنا.
فقال قوم: هو السجين، أبدلت النون لامًا، والسجين النار.
وقيل: إن السجيل من السجل، كأنه علم للديوان الذي كتب فيه عذاب الكفار، كما أن سجينًا لديون أعمالهم واشتقاقه من الإسجال وهو الإرسال، ومنه السجل الدلو المملوء ماء، وهي حجارة مرسلة لقوله: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ}.
وقوله: إن سجينًا، عن الديوان أعمالهم، يعني قوله تعالى: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفجار لَفِي سِجِّينٍ} [المطففين: 7].
وقيل: معنى سجيل ستك وطين، يعني بعض حجر وبعض طين.
وقيل: معناه الشديد.
وقيل: السجيل اسم لسماء الدنيا.
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، ترجيح أنها من طين شديد القوة.
وهذا ما يشهد له القرآن لما في سورة الذاريات {قالوا إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات: 32-34] فنص على أنها من طين.
والحجارة من الطين: هي الآجر وهو الطين المطبوخ حتى يتحجر.
وجاء النص الآخر أنها من سجيل منفوض في قوله: {فَلَمَّا جَاءَ أمرنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ} [هود: 82].
وقيل فيهل: كالحمصة والعدسة، والضمير في عليهم راجع لأصحاب الفيل، وقصتهم طويلة مشهورة.
تنبيه:
قد أوردنا نصوص معنى سجيل، وترجيح الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه: أنها حجارة من طين شديد القوة تنبيهًا على ما قيل من استبعاد ذلك، وردًا على من صرف معناها إلى غير الحجارة المحسوسة.
أما من استبعدها، فقد حكاه الفخر الرازي بقوله: واعلم أن من الناس من أنكر ذلك.
وقالوا: لو جوزنا أن يكون في الحجارة التي تكون مثل العدسة من الثقل ما يقوى به على أن ينفذ من رأس الإنسان ويخرج من أسفله، لجوزنا أن يكون الجبل العظيم خاليًا عن الثقل، وأن يكون في وزن التنبه، وذلك يرفع الأمان عن المشاهدات.
فإنه متى جاز ذلك فليجز أن يكون بحضرتنا شموس وأقمار، ولا نراها، وأن يحصل الإدراك في عين الضرير، حتى يكون هو بالمشرق، ويرى قطعة من الأرض بالأندلس، وكل ذلك محال.
ثم قال: واعلم أن ذلك جائز في مذهبنا، إلا أن العادة جارية بأنها لا تقع.
وهذا القول يحكيه الفخر الرازي المتوفي سنة 606 ستمائة وست، فنرى استبعادهم إياها مبني على تحكيم العقل، وهذا باطل لأن خوارق العادات دائمًا فوق قانون العقل، بل إن تصورات العقل نفسه منشؤها من تصوراتنا لما نشاهده.
وإذا حدث العقل بما لم يشهده أو يعلم كنه وجوده لاستبعده كما هو في واقعنا اليوم، لو حدثت به العقول سابقًا من نقل الحديث، والصورة على الأثير، وتوجيه الطائرات وأمثالها، لما قوي على تصورها لأنها فوق نطاق محسوساته ومشاهداته.
وحتى نحن لو لم يسايرها من علم بما يحمله الأثير من تيار كهربائي، وما له من دور فعال في ذلك لما أمكننا تصوره، ثم من يمنع شيئًا من ذلك علا قدرته تعالى.
وقد أخبرنا أن تلك الجبال سيأتي يوم تكون فيه كالعهن المنفوش أخف من التبنة، التي مثلوا بها، بل ستكون أقل من ذلك، كما قال تعالى: {وَسُيِّرَتِ الجبال فَكَانَتْ سَرَابًا} [النبأ: 20]، فظهر بطلان هذا القول الذي استبعدها لعدم إدراك العقل لها.
أما من يؤول هذا المعنى إلى معنى آخر، فهو قريب من الأول من حيث المبدأ، إلا أنه أثبت الأصل وفسره بما يتناسب والعقل.
وهو محكي عن الإمام محمد عبده وتلميذه السيد رشيد رضا، إذ فسر الحجارة من سجيل، بأنه وباء الجدريّ.
وبالتالي: فالطير الأبابيل: هي البعوض وما أشبهه.
وقد اعتذر له السيد قطب: بأن الدافع لذلك هو ما كان شائعًا في عصره من موجات متضاربة، موجة انحراف في التفكير نحو الإسلام واستغلال الإسرائيليات، كمثال على ما يشبه الأباطيل في تشويه حقائق الإسلام عند غير المسلمين.
ومن ناحية أخرى طوفان علمي حديث، من إنتاج العقل البشري فبدلًا من أن ثبتت حادثة كهذه صرفت إلى ما يألفه العقل من إيقاع ميكروب الجدري بجيش أبرهة حتى أهلكه لكي لا يتصادم في إثبات الحادثة على ما نص عليه القرآن العقلية العلمانية الحديثة.
هذا ملخص ما اعتذر به السيد قطب عن هذا القول.
ولكن من الناحية العلمية والنصوص القرآنية، فقد تقدم: أن الحجارة التي من سجيل، جاء النص على أنها ليست خاصة بهؤلاء القوم، بل ألقيت على قوم لوط، بعد أن جعل عاليها سافلها، فما موقع الجدريّ منهم بعد إهلاكهم بإفكها المذكور؟
ثم جاء أيضًا: أنها من طين، فأين الطينة من الجراثيم الجدرية؟
ومن الناحية العلمية: من أين جيء بمكروب الجدريّ؟ وأين كان قبل أن تأتي به الطير الأبابيل؟
ومتى كان ميكروب الجدريّ أو غيره يميز بين قرشي وحبشي؟
ومتى كان أي ميكروب يفتك بقوم بسرعة، يجعلهم كعصف مأكول، مع أن: فجعلهم، تشعر بالسرعة في إهلاكهم، والعصف اليابس الذي تعصف به الريح لخفته.
ومتى كان وجود الجدريّ طفرة وفجاءة، إنه يظهر في حالات فردية، ثم ينتشر هذا من الناحية العلمية، وإدراك العقل، لما عرف من ميكروب الجدري.
ولكن ملابسات الحادثة تمنع من تصور ذلك عقلًا لعدم انتشاره في جميع أفراد المنطقة، ولعدم تأثيره فعلًا بهذه الصورة، ولعدم أيضًا تصور مجيئه فجاءة، فدل العقل نفسه على عدم صحة هذا القول.
ثم من ناحية أخرى إذا أردنا خوارق العادات لعدم تصور مجيئه فجاءة، فدل العقل نفسه على عدم صحة هذا القول.
ثم من ناحية أخرى إذا أردنا خوارق العادات لعدم تصور العقل لها، فكيف نثبت مثل: حنين الجذع، ونبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك، وتسبيح الحصى في كفه صلوات الله وسلامه عليه؟
وقد شاهد العقل الصورة القصوى، وهي خروج الناقة من الصخرة لقوم صالح، بل إننا الآن بالحس والعقل نشاهد ما لا ندرك كنهه في وسائل الإعلام، ونسمع الصوت من الجماد مسجلًا على شريط بسيط جدًا.
فهل ينفي الباقي؟ بل كيف أثبت النصارى لعيسى ابن مريم عليه السلام إبراء الأكمه والأبرص. وإحياء الموتى، وعمل الطير من الطين، ثم ينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله.
وكيف أثبت اليهود لموسى أمر العصا وشق البحر؟ وأين العقل من ذلك كله؟
الواقع أننا في زمان ومع كل قضية، يجب أن نلتزم جانب الاعتدال، لا هو جري وراس كل خبر، ولو كان إسرائيليًا ولا هو رد لكل نص ولو كان صريحًا قرآنيًا، بل كما قال السيد قطب في ذلك:
يجب أن نستمد فكرنا من نصوص القرآن، وأن ما يقرره نعتقده ونقول به.
وقد ناقشنا هاتين الفكرتين القديمة التي استبعدت ذلك كلية، والحديثة التي أولتها.
ونضيف شيئًا آخر في جانب الفكرة الثانية، وهي لعل مما حدا بأصحابها إلى ذلك ما جاء عن قتادة قوله: إنه لم ير الجدريّ بأرض العرب مثل تلك السنة.
وقيل أيضًا: لم ير شجر الحنظل، إلا في ذلك التاريخ.
فيقال أيضًا: إن العقل لا يستبعد هنا أن يكون إهلاك هذا الجيش الكبير بتلك الحجارة في مكان معسكره في بطن الوادي، ووقوع الجثث مصابة بها، لا يمنع أن تتعفن ثم يتولد منها مكروب الجدريّ، ولا مانع من ذلك. والعلم عند الله تعالى.
تنبيه آخر:
قالوا: إن أصحاب هذا الجيش نصارى وهم أهل دين وكتاب، وأهل مكة وثنيون لا دين لهم، والكعبة ممتلأة بالأصنام، فكيف أهلك الله النصارى أصحاب الدين ولم يسلطهم على الوثنيين.
وأجيب عن ذلك بعدة أجوبة.
منها: أن الجيش ظالم باغ، والبغي مرتعه وخيم، ولو كان المظلوم أقل من الظالم، ويشهد لذلك الحديث: «في نصرة المظلوم، واستجابة دعوته ولو كان كافرًا».
ومنها: أن الوثنية اعتداء على حق الله في العبادة، وغزو هذا الجيش اعتداء على حقوق العباد. ومنها: إنه إرهاص لمولد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، إذ ولد في هذا العام نفسه.
وكلها وإن كانت لها وجه من النظر، إلا أنه يبدو لي وجه، وهو أن الأصل في نشأة البيت وإقانته، إنما هو الله رفع قواعده وأقام الصلاة في رحابه، وكان طاهرًا مطهرًا للعاكفين فيه والركع السجود، وإنما الوثنية طارئة عليه وإلى أمد قصير مداه ودنا منتهاه، لدين جديد.
والمسيحية بنفسها تعلم ذلك وتنص عليه وتبشر به، فكانت متعدية على الحقين معًا، حق الله في بيته، والذي تعلم حرمته وماله، وحق العباد الذين حوله.
وكانت لو سلطت عليه بمثابة المنتصرة على مبدأ صحيح، مع فسادها مبدأ صحة وسلامة بناء البيت، ووضعه البيت الذي من خصائصه أن يكون مثابة للناس وأمنًا.
فكيف لا يأمن هو نفسه من غزو الغزاة وطغيان الطغاة، فصانه الله تعالى صيانة لمبدأ وجوده، وحفاظًا على أصل وضعه في الأرض، ويكفي نسبته لله بين الله.
وقد أدرك أبو طالب هذا المعنى بعينه إذ قال لأبرهة:
أنا رب الإبل وللبيت ربه يحميه. وأتى باب الكعبة فتعلق بها وقال:
اللهم إن العبد يمنع رحله ** فامنع حلالك

لا يغلبن صليبهم ** ومحالهم عددًا يوالك

إن يدخلوا البلد الحرا ** م فأمر ما بدا لك

وقيل: إنه قال:
يا رب لا أرجو لهم سواكا ** يا رب فامنع منهم حماكا

إن عدو البيت من عاداكا ** إنهم لن يقهروا قواكا

.اهـ.

.التفسير المأُثور:

قال السيوطي:
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)}
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: أنزل {ألم تر كيف فعل ربك} بمكة، وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل عن عثمان بن المغيرة بن الأخنس قال: كان من حديث أصحاب الفيل أن أبرهة الأشرم الحبشي كان ملك اليمن، وإن ابن ابنته أكسوم بن الصباح الحميريّ خرج حاجًا، فلما انصرف من مكة نزل في كنيسة بنجران فغدا عليها ناس من أهل مكة فأخذوا ما فيها من الحليّ وأخذوا متاع أكسوم، فانصرف إلى جده مغضبًا، فبعث رجلًا من أصحابه يقال له شهر بن معقود على عشرين ألفًا من خولان والاشعريين فساروا حتى نزلوا بأرض خثعم فتنحت خثعم عن طريقهم، فلما دنا من الطائف خرج إليه ناس من بني خثعم ونصر وثقيف فقالوا: ما حاجتك إلى طائفنا، وإنما هي قرية صغيرة، ولكنا ندلك على بيت بمكة يعبد وحرز من لجأ إليه من ملكه تم له ملك العرب، فعليك به ودعنا منك فأتاه حتى إذا بلغ المغمس وجد إبلًا لعبد المطلب مائة ناقة مقلدة فاتهبها بين أصحابه، فلما بلغ ذلك عبد المطلب جاءه، وكان جميلًا، وكان له صديقًا من أهل اليمن يقال له ذو عمرو فسأله أن يرد عليه إبله، فقال: إني لا أطيق ذلك، ولكن إن شئت أدخلتك على الملك فقال عبد المطلب افعل. فأدخله عليه فقال له: إن لي إليك حاجة.
قال: قضيت كل حاجة تطلبها.
قال: أنا في بلد حرام وفي سبيل بين أرض العرب وأرض العجم، وكانت مائة ناقة لي مقلدة ترعى بهذا الوادي بين مكة وتهامة عليها عير أهلها وتخرج إلى تجارتنا وتتحمل من عدوّنا عدا عليها جيشك فأخذوها، وليس مثلك يظلم من جاوره. فالتفت إلى ذي عمرو ثم ضرب بإحدى يديه على الأخرى عجبًا فقال: لو سألني كل شيء أحوزه أعطيته إياه أما ابلك فقد رددنا إليك ومثلها معها، فما يمنعك أن تكلمني في بنيتكم هذه وبلدكم هذه فقال له عبد المطلب: أما بنيتنا هذه وبلدنا هذه فإن لهما ربًا إن شاء أن يمنعهما منعهما، ولكني إنما أكلمك في مالي فأمر عند ذلك بالرحيل وقال: لتهدمن الكعبة ولتنهبن مكة فانصرف عبد المطلب وهو يقول:
لا همّ إن المرء يمنع رحله فامنع حلالك ** لا يغلبن صليبهم ومحالهم عدوًا محالك

فإذا فعلت فربما تحمى فأمر ما بدا لك ** فإذا فعلت فإنه أمر تتم به فعالك

وغدوا غدًا بجموعهم والفيل كي يسبوا عيالك ** فإذا تركتهم وكعبتا فوا حربًا هنالك

فلما توجه شهر وأصحاب الفيل وقد أجمعوا ما أجمعوا طفق كلما وجهوه أناخ وبرك فإذا صرفوه عنها من حيث أتى أسرع السير، فلم يزل كذلك حتى غشيهم الليل وخرجت عليهم طير من البحر لهم خراطيم كأنها البلس شبيهة بالوطواط حمر وسود، فلما رأوها أشفقوا منها وسقط في أيديهم فرمتهم بحجارة مدحرجة كالبنادق تقع على رأس الرجل فتخرج من جوفه، فلما أصبحوا من الغد أصبح عبد المطلب ومن معه على جبالهم فلم يروا أحدا غشيهم فبعث ابنه على فرس له سريع ينظر ما لقوا فإذا هم مشدخين جميعًا، فرجع يرفع رأسه كاشفًا عن فخذه، فلما رأى ذلك أبوه قال: إن ابني أفرس العرب وما كشف عن فخذه إلا بشيرًا أو نذيرًا، فلما دنا من ناديهم قالوا؟ ما وراءك؟ قال: هلكوا جميعًا.
فخرج عبد المطلب وأصحابه، فأخذوا أموالهم وقال عبد المطلب شعرًا في المعنى:
أنت منعت الجيش والأفيالا ** وقد رعوا بمكة الأفيالا

وقد خشينا منهم القتالا ** وكل أمر منهم معضالا

شكرًا وحمدًا لك ذا الجلالا... فانصرف شهر هاربًا وحده، فأول منزل نزله سقطت يده اليمنى، ثم نزل منزلًا آخر فسقطت رجله اليمنى، فأتى منزله وقومه وهو جسد لا أعضاء له، فأخبرهم الخبر ثم فاضت نفسه وهم ينظرون.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معافي الدلائل عن ابن عباس قال: جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح، فأتاهم عبد المطلب فقال: إن هذا بيت الله لم يسلط عليه أحد.
قالوا: لا نرجع حتى نهدمه وكانوا لا يقدمون فيلهم إلا تأخر، فدعا الله الطير الأبابيل، فأعطاها حجارة سودًا عليهم الطين، فلما حاذتهم رمتهم فما بقي منه أحد إلا أخذته الحكة، فكان لا يحك إنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه.
وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال: أقبل أصحاب الفيل حتى إذا دنوا من مكة استقبلهم عبد المطلب فقال لملكهم: ما جاء بك إلينا؟ ألا بعثت فنأتيك بكل شيء أردت؟ فقال: أخبرت بهذا البيت الذي لا يدخله أحد إلا أمن فجئت أخيف أهله فقال: إنا نأتيك بكل شيء تريد فارجع، فأبى أن يرجع إلا أن يدخله، وانطلق يسير نحوه وتخلف عبد المطلب، فقام على جبل فقال: لا أشهد مهلك هذا البيت وأهله. ثم قال: اللهم إن لكل إله حلالًا فامنع حلالك، لا يغلبن محالهم أبدًا محالك. اللهم فإن فعلت فأمر ما بدا لك. فأقبلت مثل السحابة من نحو البحر حتى أظلتهم طيرًا أبابيل التي قال الله ترميهم بحجارة من سجيل فجعل الفيل يعج عجًا فجعلهم كعصف مأكول.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} قال: أقبل أبرهة الأشرم بالحبشة ومن تبعه من غواة أهل اليمن إلى بيت الله ليهدموه من أجل بيعة لهم أصابها العرب بأرض اليمن، فأقبلوا بفيلهم حتى إذا كانوا بالصفاح فكانوا إذا وجهوه إلى بيت الله ألقى بجرانه إلى الأرض، فإذا وجهوه قبل بلادهم انطلق وله هرولة، حتى إذا كانوا ببجلة اليمانية بعث الله عليهم طيرًا أبابيل بيضًا وهي الكبيرة، فجعلت ترميهم بها حتى جعلهم الله كعصف مأكول، فنجا أبو يكسوم فجعل كلما نزل أرضًا تساقط بعض لحمه حتى إذا أتى قومه فأخبرهم الخبر ثم هلك.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} قال: أبو يكسوم جبار من الجبابرة جاء بالفيل يسوقه معه الحبش ليهدم- زعم- بيت الله من أجل بيعة كانت هدمت باليمن، فلما دنا الفيل من الحرم ضرب بجرانه، فإذا أرادوا به الرجعة عن الحرم أسرع الهرولة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: أقبل أبو يسكوم صاحب الحبشة ومعه الفيل فلما انتهى إلى الحرم برك الفيل فأبى أن يدخل الحرم، فإذا وجه راجعًا أسرع راجعًا وإذا ارتد على الحرم أبى فأرسل الله عليهم طيرًا صغارًا بيضًا في أفواهها حجارة أمثال الحمص لا تقع على أحد إلا هلك.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح، فأتاهم عبد المطلب فقال: إن هذا بيت لم يسلط عليه أحد.
قالوا: لا نرجع حتى نهدمه، وكانوا لا يقدمون فيلهم إلا تاخر فدعا الله الطير الأبابيل فأعطاها حجارة سودًا عليها الطين، فلما حاذت بهم صفت عليهم ثم رمتهم فما بقي منهم أحد إلا أصابته الحكة. وكانوا لا يحك إنسان منهم جلده إلا تساقط جلده.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال: لما أرسل الله الحجارة على أصحاب الفيل جعل لا يقع منها حجر إلا سقط وذلك ما كان الجدري، ثم أرسل الله سيلًا فذهب بهم فألقاهم في البحر. قيل: فما الأبابيل؟ قال: الفرق.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود {طيرًا أبابيل} قال: هي الفرق.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن ابن عباس {طيرًا أبابيل} قال: فوجًا بعد فوج، كانت تخرج عليهم من البحر.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {طيرًا أبابيل} قال: خضر لها خراطيم كخراطيم الإِبل وأنف كأنف الكلاب.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس {طيرًا أبابيل} قال: لها أكفّ كأكفّ الرجل وأنياب كأنياب السباع.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم والبيهقي معًا في الدلائل عن عبيد بن عمير الليثي قال: لما أراد الله أن يهلك أصحاب الفيل بعث الله عليهم طيرًا نشأت من البحر كأنها الخطاطيف بكف كل طير منها ثلاثة أحجار مجزعة في منقاره حجر وحجران في رجليه، ثم جاءت حتى صفت على رؤوسهم ثم صاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها فما من حجر وقع منها على رجل إلا خرج من الجانب الآخر، وبعث الله ريحًا شديدًا فضربت أرجلها فزادها شدة فأهلكوا جميعًا.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن عكرمة {طيرًا أبابيل} قال: طير بيض، وفي لفظ: خضر جاءت من قبل البحر كأن وجوهها وجوه السباع لم تر قبل ذلك ولا بعده، فأثرت في جلودهم مثل الجدري، فإنه أول ما رؤي الجدري.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} لما أقبل أصحاب الفيل يريدون مكة ورأسهم أبو يكسوم الحبشي حتى أتوا المغمس أتتهم طير في منقار كل طير حجر، وفي رجليه حجران فرمتهم بها، فذلك قوله: {وأرسل عليهم طيرًا أبابيل} يقول: يتبع بعضها بعضًا {ترميهم بحجارة من سجيل} يقول من طين.
قال: وكانت من جزع أظفار مثل بعر الغنم فرمتهم بها {فجعلهم كعصف مأكول} وهو ورق الزرع البالي المأكول: يقول: خرقتهم الحجارة كما يتخرق ورق الزرع البالي المأكول.
قال: وكان إقبال هؤلاء إلى مكة قبل أو يولد النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث وعشرين سنة.
وأخرج ابن المنذر عن أبي الكنود {ترميهم بحجارة من سجيل} قال: دون الحمصة وفوق العدسة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عمران {طيرًا أبابيل} قال: طير كثيرة جاءت بحجارة كثيرة أكبرها مثل الحمصة وأصغرها مثل العدسة.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله: {ترميهم بحجارة من سجيل} قال: بحجارة مثل البندق وبها نضح حمرة مختمة مع كل طائر ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره، حلقت عليهم من السماء ثم أرسلت تلك الحجارة عليهم فلم تعد عسكرهم.
وأخرج أبو نعيم عن نوفل بن معاوية الديلمي قال: رأيت الحصى التي رمي بها أصحاب الفيل حصى مثل الحمص وأكبر من العدس حمر مختمة كأنها جزع ظفار.
وأخرج أبو نعيم عن حكيم بن حزام قال: كانت في المقدار من الحمصة والعدسة حصى به نضح أحمر مختمة كالجزع فلولا أنه عذب به قوم أخذت منه ما اتخذه لي مسجدًا وهي بمكة كثير.
وأخرج أبو نعيم عن أم كرز الخزاعية قالت: رأيت الحجارة التي رمي بها أصحاب الفيل حمرًا مختمة كأنها جزع ظفار فمن قال غير ذلك فلم ير منها شيئًا، ولم يصبهم كلهم، وقد أفلت منهم.
وأخرج أبو نعيم عن محمد بن كعب القرظي قال: جاؤوا بفيلين، فأما محمود فربض، وأما الآخر فشجع فحصب.
وأخرج أبو نعيم عن عطاء بن يسار قال: حدثني من كلم قائد الفيل وسائسه قال لهما: أخبراني خبر الفيل قالا: أقبلنا به وهو فيل الملك النجاشي الأكبر لم يسر به قط إلى جمع إلا هزمهم، فلما دنا من الحرم جعلنا كلما نوجهه إلى الحرم يربض، فتارة نضربه فيهبط وتاره نضربه حتى نمل ثم نتركه، فلما انتهى إلى المغمس ربض فلم يقم فطلع العذاب فقلنا: نجا غيركما؟ قالا: نعم. ليس كلهم أصابه العذاب. وولى أبرهة ومن تبعه يريد بلاده كلما دخلوا أرضًا وقع منهم عضو حتى انتهوا إلى بلاد خثعم وليس عليه غير رأسه فمات.
وأخرج أبو نعيم من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس أن أبرهة الأشرم قدم من اليمن يريد هدم الكعبة، فأرسل الله عليهم {طيرًا أبابيل} يريد مجتمعة لها خراطيم تحمل حصاة في منقارها وحصاتين في رجليها ترسل واحدة على رأس الرجل فيسيل لحمه ودمه وتبقى عظامًا خاوية لا لحم عليه ولا جلد ولا دم.
وأخرج أبو نعيم عن عثمان بن عفان أنه سأل رجلًا من هذيل قال: أخبرني عن يوم الفيل، فقال: بعثت يوم الفيل طليعة على فرس لي أنثى فرأيت طيرًا خرجت من الحرم في كل منقار طير منها حجر، وفي رجل كل طير منها حجر، وهاجت ريح وظلمة حتى قعدت بي فرسي مرتين فمسحتهم مسحة كلفته كرداك وانجلت الظلمة، وسكنت الريح.
قال: فنظرت إلى القوم خامدين.
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم عن أبي صالح أنه رأى عند أم هانئ بنت أبي طالب من تلك الحجارة نحوًا من قفيز مخططة بحمرة كأنها جزع ظفار مكتوب في الحجر اسمه واسم أبيه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس {فجعلهم كعصف} يقول: كالتبن.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس {فجعلهم كعصف مأكول} قال: ورق الحنطة.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: العصف المأكول ورق الحنطة.
وأخرج عبد بن حميد عن طاوس {كعصف مأكول} قال: ورق الحنطة فيها النقب.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة {كعصف مأكول} قال: إذا أكل فصار أجوف.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس {كعصف مأكول} قال: هو الطيور عصافة الزرع.
وأخرج ابن إسحق في السيرة والواقدي وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن عائشة قالت: لقد رأيت سائس الفيل وقائده بمكة أعميين مقعدين يستطعمان.
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في الدلائل عن ابن أبزى قال: ولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل.
وأخرج ابن إسحق وأبو نعيم والبيهقي عن قيس بن مخرمة قال: ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل.
وأخرج البيهقي عن محمد بن جبير بن مطعم قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، وكانت عكاظ بعد الفيل بخمس عشرة سنة، وبني البيت على رأس خمس وعشرين سنة من الفيل، وتنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين من الفيل. اهـ.